بيوت الشباب في مصر ودورها
في تحقيق التنمية المتكاملة لشخصية الشباب
في تحقيق التنمية المتكاملة لشخصية الشباب
مقدمة
تعتبر حركة بيوت الشباب إحدى الحركات الشبابية العالمية التي تساهم في إعداد الشباب من خلال إنشاء وتوفير بيوت وأماكن إقامة بأسعار مناسبة ينزل فيها الشباب أثناء أسفارهم يتوافر فيها المناخ الملائم والقادة والبرامج لتحقيق التعارف والتعاون بينهم وبين شباب الدول الأخرى ومد جسور الصداقة والثقة فيما بينهم وتشجعيعهم على الترحال وإثارة اهتمامهم بدراسة البيئة وعمل البحوث العلمية وتدريبهم على الإعتماد على النفس والنظام والطاعة والمشاركة في الخدمة العامة والعمل مع الجماعة والبعد عن التطرف وعليه فلا يسمح داخل بيوت الشباب بالمجادلة في الامور السياسية أو العقائد الدينية كما لا يسمح بالتفرقة في المعاملة بسبب اختلاف الجنس أو الدين أو اللون أو المذهب السياسي.
نشأة بيوت الشباب
على المستوى الدولي
بدأت فكرة حركة بيوت الشباب مع بداية القرن العشرين في ذهن معلم ألماني يدعى ( ريتشارد شيرمان ) من خلال إحساسه بوطأة التعليم في المدرسة التقليدية المترتبة على جلوس التلاميذ طوال اليوم في حجرات لا تتوافر فيها الشروط الصحية للإضاءة أو التهوية ، وهم يدرسون مقرراتهم بين أربعة جدران دون مراعاة لجوانب التربية المتكاملة والتي تتمثل في تربية الجسم والعقل والخلق والوجدان بل وأهملت جوانب لها مردودها في بناء الشخصية الإنسانية كتنمية التفكير وإشباع الميول والهوايات وبذلك بعدت المدرسة عن الحياة والبيئة . وجد شيرمان في " الرحلات المدرسية " العلاج الملائم للكثير من عيوب البرنامج العادي للتدريس فكان يخرج مع تلاميذه إلى الهواء الطلق حيث الطبيعة المتسعة ، ويقوم بتعليمهم خلال هذه الجولات دروس التاريخ الطبيعي والجغرافيا من الواقع بطريقة لا يستطيع أي كتاب مدرسي أن يحققها . ولما اتسعت دائرة الرحلات اتضحت الحاجة الى ضرورة تهيئة أماكن إقامة في مواقع الترحال وعلى مسافات متقاربة . وانشئ أول بيت دائم للشباب في قرية (التنا ) عام 1909م في المدرسة التي كان يعمل بها ريتشارد شيرمان وكانت في الأصل قلعة قديمة . وبدأت الحركة في الإنتشار في معظم أنحاء أوروبا ثم انتقلت منها إلى جميع أنحاء العالم وفي أمستردام بهولندا وفي شهر أكتوبرعام 1932م عقد أول مؤتمر دولي لجمعيات بيوت الشباب حيث أنشئ الاتحاد الدولي لجمعيات بيوت الشباب بمشاركة إحدى عشر جمعية والتي بلغت الآن اكثر من 60 جمعية حول العالم.
على المستوى المحلى
في سبتمبر عام 1954م اجتمعت أول جمعية عمومية عادية من 61 عضواً وانتخبت أول مجلس إدارة ، تم تسجيلها بوزارة الشئون الاجتماعية والعمل ، ولم تلبث ان تقدمت الجمعية المصرية عام 1955م بطلب انضمام للاتحاد الدولي لبيوت الشباب وتمت الموافقة على قبول الجمعية المصرية عضواً مؤقتاً بالاتحاد الدولي وكان هو أول مرة تمنح جمعية عضوية مؤقتة بعد أقل من عام على إنشائها وفي المؤتمر الدولي السابع عشر المنعقد بمدينة كريسدال باسكتلندا عام 1956م وافق المؤتمر على منح الجمعية المصرية العضوية الكاملة. حركة بيوت الشباب والتربية
لم تعد وظيفة المدرسة قاصرة على مجرد تلقين التلاميذ مجموعة من المعلومات التي لا ترتبط بواقع حياتهم ولا تهيئهم لممارسة أدوارهم في الحياة كمواطنين عاملين منتجين وإنما تغيرت أهداف المدرسة وأصبحت مؤسسة تربوية لإعداد مواطنين مدربين على اكتسلب خبرات جديدة يتطلب المجتمع توفرها فيهم ، بالإضافة إلى ضرورة إدراكهم للأهداف والمثل العليا ، والاتجاهات التي تتفق مع الفلسفة القومية والاجتماعية والاقتصادية التي يدين بها المجتمع ، وعن طريق مجموعة المهارات والقيم والاتجاهات والمثل هذه فإنه يمكن أن تتوفر في التلميذ صفات المواطنة والانتماء . ان المسترجع لتاريخ حركة بيوت الشباب يعلم ان مؤسسها " ريتشارد شيرمان " كان معلماً انشأ أول بيت للشباب في مدرسة وكانت الفكرة تدور حول ما يسمى بالمدرسة المتجولة وفي كل أنحاء العالم تشكل التجمعات المدرسية الرافد الذي يفد الى بيوت الشباب ولهذا فمن الضروري ان يمثل مدرسيهم الجبهة الأمامية التي تحفظ حركة بيوت الشباب وتبقى عليها . ويجمع علماء التربية على أن أمثل طريقة للتزود بالأخلاق هو اكتسابها خلال العمل والنشاط ، فعن طريق العمل الموجه والنشاط الحر يمكن اكتساب الكثير من الصفات الفاضلة كالأمانة والصدق والإخلاص والتعاون وخدمة الغير .... فالأخلاق لا يتعلمها النشئ في قصة يسمعها أو موعظة تلقى عليه ، بل يكتسبها في كل عمل يأتيه أو كل نشاط يمارسه وبيوت الشباب تهيء الفرصة لهذه الممارسة.
حركة بيوت الشباب و البيئة
لا شك أننا ندرك مدى الأهمية القصوى التي يعلقها العلماء ورجال التربية على دراسة البيئة ، وبيوت الشباب تهدف أول ما تهدف الى ربط الشباب ببيئته وتشجيعه على ارتياد هذه البيئة ودراستها ، وتساعدهم على إمكانية التعامل معها من منطلق الحب فيحسنون استغلال مواردها ويحرصون على صيانة إمكانياتها ويتجنبون كل إهدار أو إفساد أو استنزاف لثرواتها ويشتركون بنصيب إيجابي في حل مشكلاتها ويقبلون عن وعي وعن علم وبصيرة لرفع مستوى الحياة فيها.
حركة بيوت الشباب والسياحة
السياحة هي وسيلة بيوت الشباب لتحقيق أهدافها ، والجمعية تنشئ بيوتاً للشباب لتشجيعهم على السفر وتسهيل السياحة بالنسبة لما فيها من فوائد جمة ( في الأسفار سبع فوائد ) . والسياحة تهيئ للناشئة والشباب فرص الاستمتاع والمخاطرة والاكتشاف وتعوده على الاحتمال والصبر على الشدائد والثقة بالنفس وبيوت الشباب تؤدي دوراً رئيساً في إتاحة الفرصة لتنظيم الرحلات والسياحة وبصفة خاصة الرحلات الفردية . ولقد زاد من أهمية حركة بيوت الشباب في الوقت الحاضر أن الحق بأغلبها مكاتب لأسفار الشباب لتنظيم الرحلات للأماكن النائية داخل البلاد ليتعلم الشباب تنظيم مثل هذا النوع من الرحلات والتعرف على بلادهم في أماكن لا تتاح لهم فرصة التعرف عليها فرادى ، كما تعمل هذه المكاتب على تنمية التبادل بين شباب الجمعيات المختلفة ، ويعقد سنوياً حلقة دراسية لهذه المكاتب يتدارس فيها المختصون والمشرفون عليها الرامج السياحية التي يمكن أن تنفذها جمعيات بيوت الشباب لإيجاد مزيد من الترابط بين شباب العالم على إختلاف جنسياتهم.
حركة بيوت الشباب والانتماء القومي
إن شعار بيوت الشباب في مصر هو "اعرف بلدك واكرم ضيفك" ومما لا شك فيه أن ربط الشباب ببلده هو من أهم الوسائل الإيجابية للتربية القومية وذلك بإتاحة الفرصة للشباب للتجول في بلاده ....فيتعرف على معالمها ، ويزور أماكنها التاريخية والأثرية ، ويطلع على إمكانياتها الطبيعية والبشرية ، ويقف على أمجادها الخالدة . وبيوت الشباب تهدف أول ما تهدف الى تربية الشباب تربية قومية عن طريق تشجيعهم على السياحة والترحال وإرتياد مختلف الأماكن والبقاع التى تحويها بلاده ، لهذا تقام بيوت الشباب عادة في الأماكن الأثرية والتاريخية والمناطق التى تتميز بمناظرها الطبيعية وذات الشهرة في أي مجال من المجالات ....كل ذلك لإعطاء الفرصة للشباب للتعرف على بلده وما بها من ثروات طبيعية وأمجاد تاريخية . وهكذا يخرج الشاب من جولته وهو أشد ارتباطاً بوطنه وبأنه أحد أبناء الوطن وجنوده وان قوة هذا الوطن بقوة كل فرد فيه ، وان واجبه يحتم عليه ان يتحمل مسئوليته في خدمة بلده بوعي وعزيمة صادقة ، وبهذا تتبلور في ذهنه معنى القومية ، فيتعلم الإدراك والإحساس والعمل والخدمة العامة وإنكار الذات والتضحية والفداء ، وهذا يدفعه الى التعاون مع غيره من المواطنين على السعي المتواصل لزيادة موارد بلده وخيراته ، وتدعيم مكانته ، والاعتزاز بأمجاده وتحقيق أهدافه.
حركة بيوت الشباب والسلام والتفاهم العالمي
ان فلسفة حركة بيوت الشباب هي اختلاط الجنسيات المختلفة في جميع جنبات بيوت الشباب ، في حجرات النوم وفي المطعم وفي القاعات العامة وقاعات الهوايات ، لما لذلك من أهمية في تقريب وجهات النظر وخلق روح الاخوة والصداقة فيما بينهم . إن السؤال المطروح الآن هو كيف يمكن أن يصبح السلام عقيدة وفلسفة في وجدان الشباب ومنهاجاً للعمل ، بعد أن كان حلماً بعيداً يتطلع إليه ، ولقد أجابت ( اليونسكو ) بتنفيذ مشروعها للتربية من أجل التفاهم الدولي والذي يهدف إلى توعية الشباب بتحقيق مجتمع دولي يعيش فيه الناس في تفاهم وتعاون ، مطبقين لميثاق الأمم المتحدة نصاً وروحاً ، وأهمية التعون لتحقيق التقدم وإكساب الشباب مجموعة من الميول والاتجاهات الاجتماعية السليمة . وبيوت الشباب كمؤسسات لها دور هام في تحقيق هذه الأهداف فهذه البيوت يفد اليها الشباب من شتى أنحاء العالم يتعرفون على بعض ويتبادلون الأحاديث في صفاء ومودة ، ويقفون من خلال تعايشهم سوياً على عادات شعوبهم وثقافتها ، مما يؤدي في النهاية الى تنمية الميل لديهم نحو أبناء الشعوب الأخرى باعتبارهم أخوة وزملاء في الإنسانية ، ويعاملونهم على أسس من الفهم والتقدير فتنمو بينهم روح الأخوة والشعور بالوحدة والسلام.
من خلال العرض السابق يتضح ان حركة بيوت الشباب لها دورها التربوي والاجتماعي والثقافي والسياحي والقومي وفي خدمة السلام العالمي في إطار من القيم والسلوكيات التي لا ترتبط بلون أو جنس أو ديانة أو معتقدات ، وبيوتها ليست فنادق صغيرة رخيصة للإيواء ، بل هي مدرسة للحياة تركز على كل الجوانب الايجابية في التكوين المتوازن لشخصية الشباب ، ورحلاتها تحقق القيم التربوية والاجتماعية والثقافية ، وتؤكد على مدى أهمية السياحة ودراسة البيئة واقامة العلاقات الوطيدة ، دعماً للعلاقات التي تنمي التفاهم والمحبة والسلام بين الجميع.